محددات قطاع الأمن في مناطق درع الفرات و غصن الزيتون
مقدمة
بحلول الأسبوع الأول من أبريل 2018، أعلنت القوات التركية و فصائل المعارضة المسلحة المدعومة تركياً نهاية عملية غصن الزيتون التي أدت إلى السيطرة على منطقة عفرين، والآن بعد مرور أكثر من عامين على تلك العملية يبدو أن الوضع الأمني في مناطق الشمال السوري ذات النفوذ التركي لا تزال بعيدة عن الاستقرار على الأقل على المستوى الأمني. إن تحليل الحوادث الأمنية التي وقعت خلال هذه الأعوام يزودنا بمؤشرات متعددة تتعلق بالوضع الأمني العام.
مؤشرات قطاع الأمن
من خلال تحليل الحوادث الأمنية[1]، لوحظت المؤشرات التالية في المناطق المذكورة، إن هذه المؤشرات توضح الأنماط الرئيسية وترسم الاتجاهات الرئيسية للعوامل المؤثرة على قطاع الأمن من هذه المناطق استنادا إلى العوامل التالية:
- تاريخ الأحداث
- الفاعلون وأصحاب المصلحة (داخليون وخارجيون)
- طريقة وأنماط حصول الأحداث
- مناطق حصول الأحداث
المؤشر الأول
تشهد المناطق المذكورة مستوى متزايدًا في عدد الأحداث الأمنية مع الزمن، على الرغم من الترتيبات والتعزيزات التي تم إجراؤها من خلال قوات الأمن الداخلي وإنفاذ القانون، وعدم وجود عمليات عسكرية فعلية مع جهات خارجية.
المؤشر الثاني
بالأخذ بعين الاعتبار الأحداث الداخلية (التي وقعت من قبل الجهات الفاعلة وأصحاب المصالح داخل هذه المناطق) يمكننا أن نرى أن الاشتباكات المسلحة لا تزال الأحداث الأكثر حدوثا، وعلى اعتبار أننا نتحدث الفاعلين الداخليين فقط فإن هذا يشير إلى وجود عدد كبير من حوادث الاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة المختلفة في هذه المناطق. على الرغم من أن العديد منهم قد نظمت من خلال المبادرة التركية تحت الجيش الوطني السوري، إلا أن ذلك لم يقلل من حصول هذه الحوادث سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. ومن الملاحظ أيضا أنه خلال الربع الأخير من عام 2020 والربع الأول من عام 2021 كان هناك زيادة ملحوظة في عدد الاشتباكات في نفس المناطق.
المؤشر الثالث
ومن الجدير بالذكر أن كلا من الجيش الوطني السوري والشرطة الوطنية التي من المفترض أن تسيطر أو تكون الفاعل الأساسي على كلا الجانبين العسكري وإنفاذ القانون في هذه المناطق، لا تزال غير قادرة على التعامل مع تلك الواجبات. و كما سبق ذكره في المؤشر الثاني، فإن الاشتباكات المباشرة بين الجماعات المسلحة المختلفة في المنطقة تشير إلى عدم وجود نظام قضائي أو قانون عسكري واضح هناك ، علاوة على ذلك فإن تحليل عمليات الاعتقال التي تم إجراؤها في هذه المناطق يظهر نشاطاً طفيفاً للغاية لصالح الشرطة الوطنية التي من المفترض أن تكون مسؤولة عن مثل هذه العمليات الشرطة والأمن الداخلي مقارنةً بالمجموعات المسلحة.
المؤشر الرابع
لا تزال عمليات الاغتيال وهجمات العبوات الناسفة من الأنماط الشائعة للحوادث المسجلة في هذه المناطق، مما يعكس الحاجة إلى بذل جهود إضافية لرفع قدرات و إمكانيات قوات إنفاذ القانون على المستوى الفردي و على مستوى العتاد و التجهيزات لتكون قادرة على التعامل مع مثل هذه الأنواع من الحوادث و لعمليات. من الجدير بالذكر أن غالبية ضحايا تفجيرات العبوات الناسفة هم من المدنيين مما يشير إلى أن العديد من هذه التفجيرات قد أعدت ليس ضد أهداف فردية محددة بل ضد الأماكن العامة حيث يتواجد المدنيون لإلحاق ضرر كبير و خلق مستوى من عدم الاستقرار خاصة على جانب الأمن الداخلي.
المؤشر الخامس
الجهات الخارجية تنفذ فقط في أقل من 15٪ من إجمالي الأحداث المسجلة في المناطق المذكورة (القوات الكردية 6.5%, قوات النظام السوري 5% و الجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة 2%) بينما الفاعلون الرئيسيون هم قوات و مجموعات المعارضة المسلحة , القوات التركية و الجهات أو الفاعلين غير المحددة بحوالي 20% - 25% لكل منهم.
المؤشر السادس
على الرغم من أن العديد من الاغتيالات والعبوات الناسفة وحوادث النهب والعنف قد تم التحقيق فيها والإعلان عن تحديد فاعليها أو المتورطين فيها من قبل السلطات المحلية وقوات إنفاذ القانون، إلا أن أكثر من 30٪ من هذه الأحداث تم تسجيلها ضد مجهولين أو ضد جهات غير محددة ، وهذا يمثل أيضًا مستوى معين من عدم فاعلية قوات إنفاذ القانون المحلية.
المؤشر السابع
مراكز المدن التي من المفترض أن تكون الأكثر استقرارًا بسبب الوجود المركّز لقوات إنفاذ القانون وكذلك الجهات المعنية الرئيسية (القوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري إضافة إلى الهيئات المدنية...) هي الأكثر تعرضًا للحوادث، حيث جاءت عفرين في المرتبة الأولى تليها مدينتي الباب واعزاز.
أنواع الحوادث الأمنية والعسكرية
تتنوع الحوادث الأمنية و العسكرية في مناطق الشمال تحت النفوذ التركي, و تعتبر الاشتباكات المسلحة هي الأعلى بنسبة تقارب 35% بينما يأتي القصف المدفعي و النيران الغير مباشرة في المرتبة الثانية بنسبة تقدر بحوالي 25% تليها العبوات الناسفة و التفجيرات بنسبة تقترب من 20%. بينما يلاحظ شبه غياب للقصف الجوي الذي يقتصر بنسبة كبيرة منه على غارات متفرقة أو غارات تنفذ بواسطة الطائرات بدون طيار.
أنماط الحوادث الأمنية
على الرغم من أن المناطق المختلفة تخضع تقريبًا لسيطرة جهات فاعلة متشابهة بنيويا وتنظيميا، إلا أنه من الملاحظ وجود أنماط مختلفة للحوادث بين المناطق و المدن المختلفة. كمثال مدينة عفرين هي الأكثر تسجيلا للاشتباكات المسلحة واستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. و على الرغم من عدم وجود جهات خارجية هناك، إلا أن معظم هذه الأحداث يتم تسجيلها بين الأفراد المسلحين أو الجماعات المسلحة المختلفة في المدينة. أيضا مدينة عفرين هي من بين المدن الثلاث الأولى عندما يتعلق الأمر بأعداد تفجيرات العبوات الناسفة و الاعتقال، إلى جانب نسبة مرتفعة من أعمال النهب والعنف العشوائي, و هذا يشير إلى وجود ثغرات كبيرة في قطاع الأمن الداخلي والاستقرار العام. إلى جانب مدينة عفرين سجلت مدينة الباب بشكل أساسي أعدادا عالية من عمليات التفجير و الاغتيال, بينما كان النمط الأكثر شيوعا للحوادث الأمنية في مدينة اعزاز بشكل رئيسي هو الاشتباكات المسلحة و تفجيرات بالعبوات الناسفة.
التغيرات مع الزمن
كما سبق ذكره في المؤشر الأول ، سجلت غالبية المناطق إما زيادة في عدد الأحداث خلال السنوات الماضية ، أو في أفضل السيناريوهات حافظت على معدل ثابت لأعداد الحوادث الأمنية، و ربما يكون الاستثناء الوحيد هو مدينة عفرين التي سجلت انخفاضاً بما يقارب 50% من إجمالي الحوادث خلال السنوات الماضية ، و يمكن تفسير ذلك بشكل أساسي من خلال وجود جهة فاعلة واحدة تقريبًا تسيطر على المنطقة على المستويين العسكري وإنفاذ القانون ، بينما ليس هو الحال في مناطق أخرى مثل اعزاز و الباب.
خلاصة
من الواضح أن هناك حاجة إلى مراجعة وإصلاح كامل لقطاع الأمن الداخلي ، مع اعتبار حساسية الوضع في المناطق المختلفة ، وهذا يستدعي أن تتم مراجعة و تقييم القطاع الأمني المحلي بناءً على خصائص ومميزات كل من المناطق، ثم العمل لإيجاد نهج مشترك يسمح بالتطبيق السليم لإصلاح أمني داخلي موحد (أو شبه موحد) ، ومن الواضح أن السلطات التركية (السياسية والعسكرية) تمتلك الدور الأساسي في مثل هذا البرنامج، حيث أن الاستدامة التي يسعى إليها الجانب التركي لا يمكن تحقيقها بدون مثل هذا النهج و الإصلاح بالطبع من بين مجموعة أخرى واسعة من الإصلاحات.
للحصول على الملف الكامل: اضغط هنا
[1] The Armed Conflict Location & Event Data Project